منذ فترة طويلة لم أكتب أية مقال ، و بالأمس شاهدت فيلما جديدا في السينما فقررت أن أعود للكتابة كناقد سينماوي هذه المرة .

d8a8d8afd988d9861

 ذهبت بالأمس لمشاهدة فيلم “بدون رقابة ” و قد اخترت مشاهدته لما أثير حوله من لغط و قضايا ومحاكم ، الفيلم من انتاج و إخراج هاني جرجس فوزي ، و لذا فهو يعبر تماما عن أفكاره التي دفعته لتمويل وانتاج هذه القصة ،( على ما يشاع من أنه مجرد ستار للمنتج الحقيقي واسع الثراء) الفيلم كعمل سينيمائي ليس به ما يستحق التعليق أو التحليل ، فأغلب عناصر الفيلم من إخراج و تصوير و سيناريو ، إلخ ، ركيكة و مفتعلة، بالإضافة لأنه من نوعية الأفلام المغرضة المدعية التي تدعي أنها تناقش عيوب المجتمع بهدف ايضاحها و معالجتها ، فيستمر في استعراض و تزيين المفاسد لمدة 99 دقيقة ، ثم في الدقيقة رقم 100 يشير في خفاء أن الشر لا يفيد .

 الفيلم كعمل سينيمائي يشبه ساندويتش الحواوشي أبو جنيه ونص ، الذي مهما حلف لك صاحب عربية الحواوشي أن فيه لحمة ، لا يمكن أن تصدقه و لن يغير من اقتناعك من أنه لا يزيد عن ساندويتش شطة وفلفل و بهارات مضافا إليها زبالة و كناسة الجزار الموجود على الناصية. فالفيلم عبارة عن تحبيشة من المثيرات التي طمع منتج ومخرج الفيلم أن تمثل عنصرا جاذبا للشباب و الفتيات، أي أنه سبوبة أو نحتاية جيدة لتهليب قرشين من جيوب الشباب المحروم ، فجمع فيه مغني فرقة واما ( ما أعرفش اسمه ) مع نجمات خلع الملابس علا غانم ، و دوللي شاهين ، و ظهور متميز لمطربة البانيو ماريا ،مع عنصر الدعابة و المرح المتمثل في إدوارد، أي أكبر تحبيشة بهارات سينمائية حراقة استطاع الحصول عليها محاولة منه لتغطية زفارة الفكرة و السيناريو.

 الفيلم نفسه ، كسينما ، لا يوجد به ما يمكن أن نعرض له ، اللهم إلا أداء إدوارد الكوميدي ، والممثل أبو شعر طويل ( ما أعرفش اسمه برضه ) الذي لا أعرف إذا كانت مناسبته لدور الشاب الفاسد الضائع السمج عبقرية تمثيلية منه ،أم أنها سمات شخصيته الحقيقية ، و كذلك الحوار المعبر بطريقة تمزج خفة الدم مع الأباحة المكشوفة .و قد اعجبني أيضا بعض عناصر الديكور المعبرة عن أنواع السكن المختلفة لأبطال الفيلم لا توجد بالفيلم قصة بالمعنى المعروف ، فلا أحداث ولا وقائع ،حدوتة الفيلم لا تزيد عن مجموعة من طلبة الجامعة ، أولاد و بنات ، يمارسون كافة المفاسد معا : جنس، شذوذ، دعارة، مخدرات، رشوة، يعيشون سفلقة على حساب الصديق و الصديقة الأغنياء ، مقابل خدمات يقدمونها لهما ، ثم عندما يأتي موعد الامتحان و يتأكدوا أنهم سيرسبون ، فيقوموا بحرق غرفة الكنترول ، ليتم القبض عليهم ، بس خلاص

 أما ما يستحق التعليق في هذا الفيلم الأبيح ، هو أنه يمثل أحد المظاهر التي ميزت الحياة المصرية في العقد الأخير ، و هي تزايد كثافة الهجوم اللاديني العلماني على قيم و ثقافة و أفكار المجتمع المصري ، التي يمكن أن نشاهدها في كافة وسائل الإعلام و قنوات الاتصال المتاحة ، و يغلب على ظني أن مثل هذه الممارسات تتم برضا أو مساعدة النظام الحاكم كمحاولة مستميتة منه لمقاومة التيارات الإسلامية و الإخوان المسلمين ، فكما قام السادات بدفع الإسلاميين في مواجهة الشيوعيين عندما عجز عن مواجهتهم بنفسه ، ثم كانت النتيجة الطبيعية لهذه المواجهة أن يقتل على يد أحد الطرفين ، فالنظام الآن يدعم و يبارك و يصهين عن نشاطات الليبراليين و العلمانيين و الملحدين أملا منه أن يكون ذلك هو الحل الأخير لمحاربة المحظورة و نمو التيارات السلفية.

 في هذا الإطار جاء ” بدون رقابة ” كفيلم ليؤكد حالة الهدم و التفكيك ، و عدم اليقين التي يتفق عليها الشركاء المتشاكسون أصحاب التيارات اللادينية من العلمانيين و الليبراليين والماركسيين والملحدين على نشرها في أوساط الشباب ، تحطيما لقيمهم و أفكارهم و تأسيسا لمنظومة جديدة من القيم التفصيل للتعارض مع كل ما هو إسلامي , و لنشر نوع من الضبابية و الشك و عدم اليقين في أي قيمة أخلاقية أو رمز يرتبط بتراث و دين المجتمع . فالشر يتحول لخير لمجرد أن يمارسه أصحابه ببجاحة و صفاقة ( صراحة ووضوح ) ، و الخير يتحول لشر لأنه يحجب و يمنع (يكبت) أصحابه عن نزواتهم . فالحوار عندما يناقش فكرة الشذوذ الجنسي لدى الصديقة السحاقية ، أكد على أنه لا يمكن الحكم على صواب أو خطأ فكرة الشذوذ ، فالبطلة دفعت لهذا الطريق دفعا، ولم تختره لنفسها ، و لم تؤذ به أحدا ، كما أنها فتاه صريحة أمينة مع نفسها و لا تخدع أحدا ، و لكن أحداث الفيلم عندما أظهرت الشاب المتدين المتفوق دراسيا ، أظهرته في صورة الوصولي ، المستغل ، النفعي ، الذي لا يمثل تدينه إلا غطاء يخفي باطنه ” الوسخ ” على حد تعبير الحوار ، و أن التدين ما هو إلا عجز و خوف يمنع صاحبه ممارسة الحياة بلذاتها. و أنه نفسه في الدح بس خايف من الأح ، على حسب ما جاء بالحوار

و يجيء الفيلم أيضا ليحاول أن يطبِّع و يقعد أفعالا تتنافى مع قيم المجتمع ، و يستغل أدوات الغناء و الموسيقى للتعبير عن استغرابه ” هي عملت إيه حرام ! ” إشارة لزيارة تلميذة المدرسة لصديقها طالب الجامعة في شقته ، يسبق ذلك استعراض لا معنى له لتفاصيل جسد تلميذة الثانوي ” البريئة ” العاري ، و هي تستذكر دروسها في ثوب ساخن مثير مستلقية على سريرها . و رغم أن الفيلم ينتهي بسجن مجموعة الشباب الفاسد ، و إظهار أنهم سقطوا في هذه الهاوية لأنهم يعيشون بدون رقابة أهلهم،

و أن الفاة المحجبة قد تزوجت وأنجبت ، و أن الطالب المتدين قد نجح ، ألا أن كل هذا لا يستغرق على الشاشة أكثر من 60 ثانية في مشاهد لا حوارية في خلفية أغنية الختام ، تضيع وسط الزخم المحتشد من الأثارة و الفلفل و الشطة ، فلا ينطبع في ذهن المتلقي سوى طعم الزفارة و رائحة الزناخة التي يريد أصحاب الفيلم نشرها .

Posted by: egytarek | 30 September, 2008

أيا أيها الفجر ، قد طال الظلام

 

 

 

كثيرا ما أقرأ مقالات و دراسات علمانية ليبرالية ، تتحدث عن ظاهرة التدين الشكلي التي اجتاحت المشرق العربي و مصر على وجه الخصوص بداية من النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي

، نتيجة ما صاحب هذه الفترة من ارتفاع سعر البترول بعد حرب  رمضان أكتوبر ،ثم نجاح الثورة الاسلامية في إيران و قيام الدولة الأسلامية هناك ، و مما لا شك فيه أن هذه الظاهرة حقيقية ، فمنذ هذه الحقبة و ما حدث بها من نزوح أعداد كبيرة من المصريين للعمل في دول الخليج ، أغلبهم من العمال و الفنيين قليلي أو معدومي الثقافة الدينية ، و عودتهم بعد ذلك بوجه آخر غير الذي سافروا به.

 

أنا شخصيا كنت شابا يافعا في هذه الفترة و شاهدت بنفسي مظاهر كنت أستغربها و لا أفهمها ، انتشرت و سادت  المجتمع المصري المسلم ،و لم نكن نعرفها قبلها ، و طالما ناقشت أبي الاستاذ و الشيخ الأزهري فيها و عن حقيقة علاقتها بالأسلام ، فكان يبدي تعجبه منها مثلي .

 

 في هذه الفترة كنت لأول مرة ألاحظ أن من  يصلي بجانبي في المسجد يحرص على ” دفس ” قدمه ” بأظافرها الطويلة  في قدمي ، و كلما أبعدت قدمي ملليمترات قليلة تحت وطأة  وغز أظافره أعاد لكز قدمي مرة أخرى ، و نمضي فترة القيام  و الركوع في لعبة البحث عن الأقدام بدلا من الانصات الخاشع للامام ،أو التسبيح ،  في هذه الفترة أيضا كانت أول مرة في حياتي أشاهد  شبابا  يشمرون بنطلوناتهم قبيل الدخول في الصلاة لسبب لا أعرفه ، بل و يتطوع بعضهم بتشمير بنطلوني و أنا أصلي دون أن يستأذنني  ، و أيضا كانت أول مرة في حياتي أشاهد رجلا يرتدي ما يشبه ” الطرحة الحريمي “  فوق رأسه بيضاء اللون ، و أيضا كان في هذه الفترة  أول تعرض لي في حياتي لمن يقف في الصف ثم يخرج من جيبه مسواكا لينظف أسنانه و نحن وقوف ننتظر تكبيرة الإحرام ثم يضعه في جيبه دون أن يغسله و أنا أنظر اليه متقززا ، في هذه الفترة أيضا اكتشف المصلون في المساجد على حين غرة أن أي جماعتين متزامنتين في المسجد أمر يستدعى رفع الصوت و الجري هنا وهناك لمنع هذه الجريمة ،  و مطالبة أحداهما بإنهاء الصلاة و اللحاق بالجماعة الأخرى ، و كانت هذه الفترات هي أول كراهيتي لأسلوب استخدام الميكروفونات في المسجد ، حيث ظهرت في البداية  فكرة الأذان للفجر بأذانين، يتم بينهما فتح الميكروفون على إذاعة القرآن الكريم أو يقوم مقيم شعائر المسجد بإلقاء تواشيح دينية  لإيقاظ المصلين، ثم آداء الصلوات الجهرية في الميكروفون الخارجي ، ثم بدأت هذه الظاهرة في  التلاشي و حل محلها في أوائل التسعينيات بدعة رفع إقامة الصلاة في الميكروفونات، وما  تزامن معها من عراك في كثير من المساجد حول صلاة الجمعة ومحاربة  ” بدعة ” عثمان  ذي النورين ،  صاحب الأذانين ، و ضرورة العودة  للاقتداء ب ” السنة “  و الاكتفاء بأذان واحد  ، و مع شهر رمضان بدأت في نفس الفترة  بدعة مستحدثة بدت شاذة  غريبة في بادئ الأمر و هي إلقاء درس بين ركعات التراويح ، بدأ الدرس قصيرا ، ثم بالتدريج زادت مدته حتى صارت تقارب الوقت المخصص للصلاة أصلا.

 

 

كل هذه الظواهر داخل المسجد ، أما ما كان خارجه فحدث ولا حرج .

 

 

و في نفس هذه الفترة التي انتشرت مثل هذه الظواهر التي تدعي أنها إسلامية ، زاد تسارع انهيار , وتهاوي قيم المجتمع ، و لن أتحدث هنا عن عناصر الفساد الخاصة بأسلوب الحكم أو انهيار الاقتصاد أو باقي أنواع المفاسد التي  تأتي من أعلى طبقات المجتمع ، بل ما يعنيني هنا هو مظاهر الفساد التي أكلت قواعد و أسس المجتمع و نخرت جذوره ، ولم تجد عند مستوردي المظاهر الاسلامية حلا واحدا .

 

 فالكذب الذي كان سبة عندما كنا صغارا ، صار  هو القاعدة التي تندهش عندما تتعامل مع أحدهم و تجده لا يكذب كثيرا ، و يرتبط بالكذب ، ظواهر مثل الرغبة في التعتيم و التعمية  ، مبني على الشك في الآخر ، كنت أسمع الكبار عندما يتحدثون و أنا صغير ، فإذا قابل أحدهم صديقه و سأله إلى أين أنت ذاهب ، كانت الإجابات صريحة بسيطة  ، ذاهب لفعل كذا ،  نفس البساطة و التلقائية التي أجدها الآن مع أصدقائي من غير المصريين أوغير العرب ، أما عندنا الآن فنادرا ما تجد حديثا صريحا بسيطا ، بل جمل معماه مغماه ، لا معنى لها .

 

 

قيمة الكلمة و الوعد ، أصبحت لا تعني أي شيء . في التجارة و الأعمال ،و في السوق ،في مجال الصداقة  و الزواج ،  كان كل شيئ يعتمد على قوة و احترام الكلمة ، لم يكن هذا منذ قرون ، كنا كذلك و أنا فتى يافع ، و اليوم بعد أن زاد عدد اللحى في الشوارع أضعافا مضاعفة ، لم تعد حتى للكلمة المكتوبة معنى مادام معك محامي محنك يستطيع ان يطيل أمد المحاكمة حتى يمل من تخاصمة ،و يتنازل عن حقه .

 

 

و رغم أن الظاهرتين السابقتين من أشد سوءات الأخلاق التي اعتبرهما رسول الله –  صلى الله عليه و سلم –   في حديث شريف يحفظه  الجميع من علامات النفاق ، إلا أننى و للأسف الشديد أجد أنه لا فرق في الوقوع فيهما في نطاق أصدقائي و جيراني و زملائي في العمل، بين من يدخن و لا يصلي على الإطلاق ، و بين صاحب اللحية المعفاه و الجلباب الأبيض القصير و” الطرحة “  البيضاء. الاثنان في البلاء سواء

 

 

إذا لا حاجة لاثبات أن تديننا  شكلي ، لا أثر له في تطهير ضميرأو نفس المتدين ، و أن ما استوردناه من صحراء شرق البحر الأحمر من جلابيب بيضاء ،و لحى طويلة ،  ليس هو الإسلام الذي يريده لنا ربنا ، و لا هو الاسلام الذي أمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حياته  في تعليمنا إياه

 

 

و لكن ما هو الحل ؟؟  أغلب العلمانيين ( رافضي الدين أو محيدينه ) و الليبراليين ( المتحررين من القيم و التقاليد ) يستغلون هذه الظواهر و يعتبرونها مناخا جيدا  لبث سمومهم التي يدعون أنها الحل لمشاكلنا   ، فتجدهم  يتحدثون حديثا  ظاهره الحق و الخير ، و باطنه العذاب  ، يبدأون  بكلام معسول عن : حقيقة الدين ، و روح الدين ، و الإسلام الحقيقي ، وخطر ” المتأسلمين “   ، ثم يأخذون خطوة  أبعد فيذكرون :   العدل الاجتماعي ، و الحرية ، و المشاركة في الحكم ، و التقدم و الرخاء ، و حقوق الأقليات ، و المرأة ، و الطفل ،  ثم  يبدأون بعد ذلك بالتكشير عن أنيابهم  و بث سمومهم  صريحة :  ما دام الدين  لم يوفر مناخا لحياة نظيفة ولم يقدم حلا لمشاكلنا  ، فلنجنبه حياتنا ، ما دامت قيم الدين لم تؤمن لنا مجتمعا راقيا ، فلنبحث عن  منظومة قيمية أخرى ، ما دام الدين يعطي غطاء شرعيا لحكم فاسد ، فلنترك الدين و و نبحث عن حل في الشرق أو الغرب.

 

 

المشكلة هنا أن الجانبين على خطأ ، من يدعون أنهم الأسلاميون تفرغوا لظواهر قد تكون من الدين ولكنهم نسوا الأصول ، و لم يفقهوا ترتيب أولوياتهم ، و كانوا  كابن عمر بن عبد العزيز الذي أراد أن يحمل الناس على الحق جملة واحدة ،  فحذره الخليفة الخامس بأن ذلك سيكون مدعاة لرفضهم للحق جملة واحدة ،  و الخطأ الثالث الذي يقعون فيه أنهم يدعون لظواهر لا قلب لها ، وقواعد جامدة لا يطبقونها على أنفسهم ، أمانة هم أبعد الناس عنها ،و صدق هم أول من خانوه ، فكانوا قدوة سيئة و شر دعاية .

 

و الطائفة الأخرى على باطل يريدون إلباسه ثوب الحق ، كلهم اصحاب أهواء ، و أغراض ، و أمراض يريدون تغطيتها  بزينة براقه من الحديث المنمق ، والشعارات المزيفة.

 

و للأسف  يحدث ما يشبه التحالف غير المكتوب بين الفرقتين ، على هدم قيم و ثوابت و كل أصول الخير في المجتمع المصري ،  نرى ذلك مثلا في اتفاق الفرقتين على تنحية العلماء الرواسخ  من رجال الأزهر من الحياة و السخرية منهم و تهميشهم ،و هم من هم ، المرجع الأول للمسلمين ليس بشهادتنا ،و لكن بشهادة  كل  مسلمي العالم الذين يبعثون أبنائهم للتتلمذ على أياديهم.

 

  الفريق الأول حريص على تهميش  العلماء الحقيقيين و اتهامهم بأنهم مهونين  مخالفين للسلف ، أو علماء للسلطان ، أو أنهم من الأشاعرة فاسدي العقيدة ، أو يغلو بعضهم و يتهمهم بالكفر و القبورية ،  ليحلوا مكانهم مجموعة أخرى من علماء البدو ، الذين لا يجيدون سوى فقه التحريم ، و التفرغ للصغائر ، و ابتداع قوائم جديدة من المحرمات التي لا أصل لها يشغلون بها الناس مثل :  تحريم السفر لأوروبا ، و تحريم قيادة النساء للسيارة ، و تحريم عمل المظاهرات ، تحريم مجرد الحديث في السياسة .

 

و الفريق الثاني  لا يطيق من يقول لا إله إلا الله ، و يكون حديثهم مضحكا مبكيا  عندما يتهمون شيخا أزهريا بأنه رجعي و ظلامي   ، لمجرد أنه أمر بمعروف أو نهى عن منكر ، و يتفرغ كثير منهم ، بل و ينفق ماله لتتبع ما توهمه سقطات أو أخطاء  لعلماء المسلمين ،  و يستعين بالمهرجين و الطبالين و الزمارين  للسخرية من العلماء الأجلاء دون أن يكلف نفسه مشقة  محاولة السؤال أو الفهم ، كما حدث مثلا في قصة  بول الرسول ( ص)  مع فضيلة الشيخ على جمعة ،  فما يهم هؤلاء الفساق  ليس التحقق أو تصويب الخطأ بل  إشاعة جو من البلبلة و هدم ما تبقى من الثقة  في علماء الأمة ، و لا نعني بالأمة هنا مصر ، ولكن كل المسلمين من اقصاها لأقصاها .

 

الغريب في الأمر أن يتفق  الفريقان الذين لا يتفقان على شيء ، في هدم كل خير في الأمة ،  الفريق الأول بالتفرغ  للصغائر و التشكيك  في الكبار ، و الثاني  بالسخرية و الهمز و اللمز و نشر الفواحش

 

ما يصبر الأنسان في مثل حالتنا أن يعلم أن ما نحن فيه هو شيئ طبعي ، وهو المتوقع في كل عصور الانحطاط ، و نحن نمر بواحدة من أسوأها ، في هذه الفترات لا يطفو على السطح إلا كل خبيث ، و يتوارى أهل الخير  ، إلى أن يأذن الله بفجر جديد

لم أكن أنوي أن أكتب في أي موضوع مثير للجدل خلال شهر رمضان الكريم ، تحاشيا للجدال و المشاحانت في هذا الشهر الكريم

و لكن ما حدث أمامي في التليفزيون المصري بقناته الأولى استفزني بشدة ،و رفع ضغط دمي أكتر ما هو عالي ، فحبيت أشتكي لكم و افضفض معاكم موش أكتر و لا أقل

أنا أصلا و منذ سنين لا أشاهد أي قناة تلفزيون مصرية ، منعا للنرفزة و ارتفاع ضغط الدم ،و لتحاشي ذلك الأحساس بأن هناك من يستغفلني كلما شاهدت أي برنامج أو نشرة على التلفزيون المصري ،و أكتفي بمشاهدة أفلام اسماعيل ياسين و خلافه من حين لآخر

و لكن شاءت المقادير أن افتح التلفزيون على القناة الأولى وقت الأفطار أول أيام رمضان على القناة الأولى ، لأشاهد ما فجعني ، و هو أن التلفزيون المصري بجلالة قدره  ، جد و بحث و فتش بين الثمانين مليون مصري ، عمن يلقي دعاء الأفطار في أول أيام رمضان فلم يجد إلا الممثلة يسرا !!!!!!!

الدعاء الذي هو مخ العبادة ،, الذي أمرنا أن نتجهز له بالطهارةو الوضوء ،و بغسل الفم ،و استقبال القبلة ،و و تخير الأوقات الطيبات ،و طلبه من الصالحين الخيرين ،، ضاقت الدنيا بالتلفزيون المصري ، فلم تجد صالحا أو صالحة ،و أو عالما ،أو حافظا لكتاب الله ، أو حتى رجلا عاديا طيبا كالا من عمل يده ، أو أمرأة ست بيت تربي أولادها ، فعدمت لديها الحيلة فلم تجد إلا صفيحة زبالة المجتمع تبحث فيه عمن
يدعو الله لنا ،،،، و الله هزلت و باخت أوي أوي

آه يا ضغطي

بس اقول ايه ، أنا اللي غلطان ، يعني كان لازم أتفرج على ظاظا و جرجير ؟؟؟؟

 

Posted by: egytarek | 23 July, 2008

العلمانية و المقدس

من أهم المبادئ التي تتفق عليها كافة أطياف العلمانيين و إن اختلفت طرق تعبيرهم عنها هو نفي المطلقات و المقدسات ، فكل الحقائق نسبية ،و القيم أفكار ذاتية .

و النظرة المادية للعلمانيين تشمل العالم كله ، فالمقدس ، أو ما يتجاوز التعريف المادي للأشياء لا وجود له عند العلمانيين ،و بالتالي فالعالم كله ليس إلا مادة تنطبق عليها القوانين الطبيعية ، و حسابات الربح و الخسارة .

ووجود القيم و المحرمات يتعارض مع هذا المفهوم للعالم ، فالإنسان و العالم هما عناصر مادية صرفة ، و يتم التعامل معها بدون حدود  ما يعرف بالقيم و الاخلاقيات ، فهي أمور لا يمكن  اختبارها  كميا أو قياسها ، و لا تنطبق عليها قوانين الفيزياء الطبيعية .

و العالم من وجهة نظر العلماني ، هو منظومة طبيعية مغلقة ، و مكتفية ذاتيا ، و ليست في حاجة للحفاظ على اتزانها إلى عوامل خارجية ،  فكل الحديث عن الأفكار الربانية ،و الرسالات السماوية ، بالنسبة للعلمانيين قد يمكن قبول حدوثها ،و لكنها غير لازمة لاستقرار منظومة الحياة في عالمنا .

فالعالم في الفكر العلماني ، مركزه بداخله ، ولا حاجة له لمرجعية خارجية .

و العلماني عندما يدعي نفي المقدسات غير صادق مع نفسه ، فالحقيقة أن  العلمانية لم تنفي القدسية ، بل حولتها من مقدس لآخر ، ففي رفض العلمانيين لأي شيئ غير مادي ، تم تحويل دائرة التقديس من  القيم و المعنويات و الربانيات  إلى  الماديات مثل  اللذة و المتعة ، و القوة ،و المال .

والعلمانية بهذه الصورة هي ردة عنيفة في تاريخ التطور البشري ، عادت بالإنسان لما يشبه عهد الطفولة الأولى للبشرية ، فكما لا تعني القيم العليا ، أو معاني الشرف و النزاهة شيئا لدى طفل رضيع ، و تنحصر حياته بين تجنبه للألم ، و استزادته من متعة الأكل و الشرب ، صارت  أيضا هذه القيم و المجردات لا تعني شيئا بالنسبة للعلماني ، و انسحبت القداسة في اتجاه المادة الصرفة ، و صار مركز اهتمام الإنسان في جسده ، و متعته الجنسية ، و عمله و مصادر دخله و انتاجه ، و ممتلكاته المادية . و صار الحكم على الناس بمقدار ما يحظون به من هذه الماديات .

و المادية العلمانية هنا لا تختلف عن الوثنية في كثير ، فكما كان الوثيون القدامي لا يستطيعون التعامل مع الأفكار المجردة ، و فكرة الإله الرب الذي لا تدركه الأبصار و لا تحيط به حواس الإنسان المحدودة ،  فوثنيوا العصر الحديث من العلمانيين هبطوا بمقدساتهم من علياء القيم السامية إلى دنو مادياتهم التي يستطيعون تلمسها بأطراف أصابعهم

 

 

السبت الماضي ( 3/5/2008 )  حضرت محاضرة حامد نصر أبو زيد في  الجامعة الأمريكية ، لم أحضر لعمق معرفة بأبي زيد أو فكره ، فكل ما سبق لي قرآءته عنه لا يزيد عن مقتطفات الهجوم أو التأييد التي لم تكون لدي فكرة واضحة عنه أو عن فكره ، ذهبت فقط لاستطلاع ما يقوله الرجل الذي أثير حوله لغط و ضجيج منذ سنوات عديدة .

 

لم أفاجأ بالزحام في القاعة ، فالقاعة الشرقية في الجامعة الامريكية ليست بالكبيرة ، لا أعرف بالضبط عدد المقاعد بالصالة ، و لكنها عند وصولي  متأخرا حوالي الخمس دقائق عند موعد بدء المحاضرة كانت ممتلئه عن آخرها ، مع بعض الوقوف في الخلف ، وبعض من افترش الأرض في الممرين بين المقاعد .

 

شققت طريقي بين الواقفين على الباب الخلفي و استطعت بكثير من الحظ أن أجد مكانا للجلوس على   الدرج يمين الصالة ، أبو زيد يبدو كما كما في صوره ، و لكن بدون اللحية التي كانت تزين وجهه في بعض الصور ، يبدو أكبر سنا ،  البياض غطى رأسه تقريبا ، يبدو أقل وهجا و أكثر وهنا عما رأيته في بعض مقاطع الفيديو أو على التلفيزيون .

 

المحاضرة نفسها ” الفن و خطاب التحريم ” لا تعنيني  في شيئ ، الموضوع  لاكته الألسنة  والأقلام  حتى صار ممجوجا ،  لا جديد ، الفكرة معادة ، الفن فيما تحدث عنه أبو زيد يشمل كل الفنون ، و إن ركز على الفنون البصرية ، والتحريم لا يعني التحريم الديني  فقط و لكن كل صور القهرو المنع التي تمارس على الفن مثل التحريم الاخلاقي أو السياسي، و جميع أساليب الوصاية والحماية أو الاستبداد التي توجه ضد التعبير الفني .

 

أبو زيد نفسه  و ما يفكر فيه كان هدفي من الحضور ،  المحاضرة  مسلية ، أبو زيد ليس ذلك النوع من المحاضرين ذوي الحضور الطاغي ، و الأسلوب الفائق النافذ في التعبير ،  أفضل ما يقال أنه عادي ، رجل معتاد على مقابلة الجماهير بحكم مهنته ، لا يتمتع بمميزات شكلية تجذبك إليه ، و لكن يمكنني أن أؤكد أنه استطاع أن جذب أنظار الحضور إليه طوال الساعة التي استغرقتها محاضرته،  شخصيا أفسر ذلك بتلهف الجميع لرؤية ذلك الرجل الذي دارت حوله الحكايات، و أظن لو تكررت محاضراته و صارت أمرا عاديا لما استطاع أن يجذب هذا العدد من الحضور أو أن يتمكن من الاحتفاظ بهم يستمعون إليه لمدة ساعة كاملة.

 

كما قلت المحاضرة مسلية ، اللغة بسيطة ، مزيج من الفصحى معطشة الجيم من أستاذ اللغة ، و العامية ، أدهشني بناء المحاضرة على تحليل لكتابات سيد قطب في كتابة ” التصوير الفني في القرآن الكريم” ، أبو زيد نفسه أشار ” لخبث ” هذه الاستشهادات ، عجبت أيضا لخطأ أبي زيد عند قراءته لآيات من سورة المدثرتصف الوليد بن المغيرة ، رغم قراءته للآيات من ورقة أمامه ، و عجبت أيضا عندما وصفته إحدى الحاضرات ( أستاذة جامعية ) بأنه رجل دين متطور،لا ادري من أين جاءت بهذا الوصف.

 

المحاضرة رغم بساطتها ، إلا أنها مراوغة ، لا أظن أن أبا زيد يحمل فكرة واضحة جديدة ليقولها ، فكرة الحرية  المطلقة كهدف أسمى ندافع عنه ، أمام اي متدخل فيها سواء كان حاكما مستبدا ،أو فلسفة متطرفة ، أو نظام سياسي شمولي أو حتى دين سماوي، ليست بالجديدة ، فهي عقيدة الغرب، وهي دين ما يعرف بالعلمانيين أو الماديين اللادينين  هنا في مصر و كل العالم ، و الفكرة الأخرى التي تنفي مبدأ قطعية الدلالة عن النصوص الدينية أيضا ليست بالجديدة ، و هي المدخل الذي ينخر به أرباب المادية في عظام الالتزام الديني على أساس أنه لا شيئ قطعي و كل الامور ظنية .

 

لا أظن أن سيد قطب عندما وصف القرآن ” باللذيذ الجميل ” كان يعني ما فهمه أبو زيد من أن القرآن نص أدبي للمتعة الأدبية قبل أن يكون نصا دينيا و شريعة و قانونا حاكما ، كتابات سيد قطب نفسه تنفي ذلك ، و لا أظن أن حسان بن ثابت عني بقولته ” أنما الفحش عند النساء ” أن التفحش في الكلام و الوصف أمر مباح ، و أن الشاعر له مطلق الحرية في التبذل في الهجاء أو التشبيب ، حسان نفسه اشتهر عنه رقة شعره في الإسلام مقارنة بشعره الجزل في الجاهلية ، و عندما سئل عن ذلك قال إن أجمل الشعر أكذبه ، و لم يشتهر من شعر حسان في الإسلام شيئ فيه تبذل أو ترخص .

 

مراوغة المحاضرة بدأت في اسمها ، ( الفن و خطاب التحريم ) ، فرغم حرص أبي زيد طول محاضرة على نفي أنه يقصد التحريم الديني فقط ، فهو لم يذكر غيره، إلا قليلا ، و مصطلح التحريم لا يرتبط في أذهان متحدثي العربية إلا بالدين ، و لو كان جادا حقا ، لاستخدم مصطلحا آخر مما أشار إليه خلال محاضرته مثل الحماية ،و المنع، والوصاية ، و التسلط ، و لكنه أراد تمرير فكرة رفضه لتدخل الدين في الفنون التصويرية دون أن يلام عليها مرة أخرى و لم يوفق في ذلك ، و المرواغة لم تتوقف عند الاسم و لكنها شملت استشهاده بأقوال سيد قطب و حسان بن ثابت و محاولة أن يقول على لسانهما ما لم يقولاه .

 

اضطر أبو زيد في الجزء الثاني من محاضرته ، لزيادة جرعة المراوغة أثناء إجاباته عن أسئلة الحضور، و أستطيع أن اقول أنه  أجبر على ذلك في بعض الأحيان ، فالامتعاض الشديد الذي ظهر على وجهه أثناء إثارة إحدى الحاضرات لمسألة الحجاب ،أكبر دليل على نوع من  المطبات اللتي أجبر على الوقوع بها و كان يحاول تفاديها ، و تملصه من الإجابة على سؤال ” ماذا تعني بأن القرآن نص تاريخي ” نوع من محاولة الهروب أو التراجع عن أفكار أدين بها سابقا.

 

أبو زيد ركز طول المحاضرة على فكرة أنه ليس كافرا ، و أعادها أكثر من مرة ، و أنه ضحية معركة لا ناقة له فيها و لاجمل بين المؤمنين و دعاة الكفر ، فهؤلاء هاجموه على أنه كافر ، و أولئك دافعوا عنه على أنه كافر، في حين يصر هو على أنه مؤمن ، و فسر أن الجميع ألصقوا فكرة الكفر به لأنهم لم يقرأوا له .و من العلامات الطريفة التي شاهدتها  عندما اقتربت منه في نهاية المحاضرة ،و التي حاول أبو زيد بها أن يعطي صورة الرجل المؤمن لنفسه هي وضعه لمصحف أخضر كبير مطبوع في السعودية على المنصة أمامة أثناء إلقائه المحاضرة ، و لم أدري السبب في ذلك ، خصوصا أنه كان يدون الآيات التي أراد الاستشهاد بها في ورقة أمامه ،و أخيرا خطرت على بالي فكرة عبثية بأنه ربما فكر في رفعه عاليا  إذا حاول أحد المتشددين رميه بالرصاص أثناء المحاضرة .

 

المحاضرة في مجملها حاولت قدر المستطاع البعد عن النقاط الشائكة في فكر أبي زيد و التي يثيرها مؤيدوه قبل مهاجموه ، و تركز في محاولة يائسة تحاول التستر على فكرة أن أبا زيد ضحية ، و أنه لم يأت بجديد عند تعامله مع فكرة أن القرآن نص أدبي ، و أن النص الأدبي له الحرية المطلقة في التعبير ، على أساس أن قطب الحركة الإسلامية الأكبر المعاصرة ” سيد قطب ” سبقه إليها ، و أن الفرق الوحيد بينه و بين سيد قطب هو في نوعية اللغة  ” المستفزة ” التي استخدمها ، و لكن المضمون واحد ، و محاولة التأكيد على كونه رجل مؤمن يدافع عن احترام النصوص الدينية ( و إن وقع لاحقا في مطب دلالتها ) .

 

لم أر في المحاضرة سوى أن حامد نصر أبو زيد ، في صورته المرهقه المتعبة  المريضة ، يحاول تقديم اعتذاره عمن يدعي أنهم أساءوا فهمه ، وأساءوا له ، و حاول قدر استطاعته أن ينفي عن نفسه فكرة الإساءة للقرآن ،و يتمنى في قرارة نفسه أن تهدأ العاصفة حوله ليعود إلى مصر، و لكني لا أظن أنه نجح في ذلك ، فأفكاره غلبت عليه، و ما يؤمن به خرج في ثنايا حديثه رغما عنه .

 

 

Posted by: egytarek | 19 April, 2008

بلد قرارات

في أسبوع واحد أعلن في عاصمة المحروسة عن  سيل من القرارات التي فاجأت أهل الاختصاص قبل العامة من المصريين ، في الايام القليلة التي سبقت اضراب 6 إبريل صدرت باسم رئيس الدولة قرارات فجائية  بإلغاء الجمارك على السلع الغذائية ، و رفع العلاوات الاجتماعية من 15 إلى 20 و 25 % ( دون الإشارة إلى قيمة الحد الأقصى لها ) ، و يوم الخميس الماضي صدر أيضا القرار لذي فاجأ الجميع باستحداث محافظتين جديدتين هما 6 أكتوبر و حلوان ، مع تعديل الحدود بين محافظات أخرى قائمة ، و في نفس الأسبوع صدر قرار أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية بحصر مشاركة الممثلين غير المصريين في عمل واحد بالسنة ، و عرض قانون المرور الجديد الذي ينص على منع استيراد أو تصنيع سيارات المقطورة و نصف المقطورة ، و بدء تنفيذ ذلك خلال سنة من تاريخ صدور القانون.

 

القرارات الجديدة لم يستشر أي من أهل الاختصاص قبل إصدار أي منها ، و لم يسبق أن نوقشت على أي مستوى شعبي أو مهني أو نقابي أو برلماني أو حزبي ، أنما دبرت بليل ، و الغريب أن يتم إصدار قرارات لها مثل هذا التاثير  علىقطاعات كبيرة من الشعب بمثل هذه الفردية و السرية و التسرع ،و العشوائية،  في حين تبشرنا كل الجهات الرسمية و غير الرسمية بحنجورية لا مثيل لها بشعارات مثل  الديموقراطية و حكم الشعب ، و  الشفافية ، و دولة المؤسسات .

Posted by: egytarek | 10 April, 2008

هل نجح اضراب 6 إبريل ؟

 

المصادر الحكومية تتعامل مع الإضراب أو الاعتصام على أنه حركة تخريبية محدودة ، في المحلة نجح التخريبيون في تأجيج نشاط  استدعى قيام  قوات الأمن بضرواة لمقاومتهم  لحماية الأمن العام ،  و تحاول المصادر الحكومية التقليل من شأن هذا النشاط التخريبي _ حسب الوصف الحكومي _ و رغم هذه المحاولات الكلامية يتضح على أرض الواقع أن حجم هذا النشاط  كان من الضخامة ما استدعى فرض حظر التجول في مدينة المحلة يوم الثلاثاء ، و زيارة رئيس الوزراء و عدد من الوزراء للمدينة لمحاولة تهدئة الموقف .  

 

أما في القاهرة فإن التصريحات الرسمية لا تخرج عن أن عدد المقبوض عليهم لا يزيد عن 95 من المحرضين على الإضراب ( هذا العدد يعتبر ضئيلا   حسب الأعراف الأمنية المصرية التي تعتاد القبض على المئات في مناسبات عادية مثل زيارة أحد الضيوف الاجانب ) ، و تدلل المصادر الامنية على فشل فكرة الاضراب بمحدودية التجمعات التي تمت  ، و انتظام حركة الحياة في كل مدن الجمهورية عدا المحلة يوم الأحد الماضي.

 

من جهة أخرى ، لا تزال  مجموعات موقع الفيس بوك  ( المحرك الرئيسي للإضراب خارج مدينة المحلة )  تتحدث عن نجاح الاضراب ، و استمر ازدياد عدد المشاركين في الموقع الرئيسي للاضراب ( موقع اسراء عبد الفتاح ) خلال اليومين الأخيرين ،( حوالي 70000 مشارك حاليا ،  في حين كان العدد حواي 66000 يوم الأحد الماضي )

فهل نجح الإضراب أم فشل ؟

 

الملاحظة ، بغض النظر عما حدث في المحلة ، لانه ذو ظروف خاصة لا تنطبق على باقي مدن الجمهورية ،ولا تنطبق على القاهرة ، أن الاضراب ، و فكرته ، قد اصاب الدولة و النظام الحاكم بذعر شديد ، و هذا في حد ذاته نجاح كبير جدا ، فالمشاهد للتصريحات المغرقة في محاولة التخدير و المنسوبة لمبارك في أيام الخميس و الجمعة و السبت ، ثم التصريحات النارية لوزارة الداخلية يوم السبت ،و النشرات التحذيرية التي وزعت على الموظفين الحكوميين من تشديد العقاب على من ينوي التغيب يوم الاحد ، ثم الانتشار الامني  الذي يوحي بان مدينة مثل القاهرة تستعد لاستقبال جيش من الغزاة ، و رفع حالة الطوارئ إلى الحالة ج كلها  تثبت حالة الذعر و الانهيار التي أصابت  النظام الحاكم من مجرد  مجموعات للحوار على موقع الفيس بوك

 

على النطاق الشعبي ( في مدينة القاهرة ) من خلال معايشتي  للواقع خلال الأيام الماضية ، يتضح أن الاضراب لم يشعر به أحد ،  فالغالبية العظمى من سكان القاهرة لم تدر به ، و لم تسمع عنه  في الاصل ، فكرة الإضراب استمرت حبيسة فضاء الفيس بوك الى ما يقرب من يوم الاربعاء السابق للاضراب ، حيث بدأ  بعض النشاط  خارج موقع الفيس بوك ، عن طريق بعض الرسائل الإليكترونية ، و زادت معرفة البعض ، يوم الجمعة في ما يعرف بدردشات  ما بعد الجمعة  في أو امام ساحات المساجد ،

 

و قد غلب على من سمع فكرة الاضراب الإحساس بغرابة الفكرة ، و كان السؤال من هم المضربون ؟ و ما هدفهم ، و كيف سيكون الأضراب ؟  و سادت ايضا التعليقات الموحية بعدم جدية الفكرة ،لعدم مشاركة اي من القوى السياسية المعروفة في تنظيم أو دعم الفكرة ، و ساد الاحساس بالشك أيضا في أن يكون موقع الفيس بوك   أو الانتر نت عموما ساحة لاي نشاط جدي ، فحسب  تعبير أحد سائقي التاكسي ، ” هو الانتر نت ده موش علشان الصور اياها ؟”  ، أما   تعليقات من هم أكثر ادراكا  فكانت تنصب على أن موقع الفيس بوك موقع للمراهقين أو اصحاب الأفكار الشاذة ، و لا يتوقع أن تأتي منه افكار جدية

لماذا لم ينجح متبنوا فكرة الاضراب في نقل فكرة الاضراب من ضيق فضاء الفيس بوك الى رحابة  الفضاء الحقيقي  ؟ أعتقد ان اجابة هذا السؤال ستحدد  مدى إمكانية نجاح الاضراب الجديد المعو له في شهر مايو .

 

فعدد المشاركين المصريين في هذا الموقع رغم كبره ، فهو عدد غير مؤثر على أرض الواقع ،  و عدد المشاركين في المجموعات الخاصة بالاضراب ، رغم تزايده المستمر ، لم يبلغ حتى الآن 10% من عدد المصريين على الفيس بوك ،  و اعتماد منظمي حملات الدعوة أن كل مشارك معهم سيكون وكيلا للاعلان عن الاضراب في نطاق عائلته و اصدقائه ، ثبت فشلها ، نظرا للصورة الذهنية التي  سبق الإشارة اليها و الراسخة في عقول المصريين عن الانترنت عموما و الفيس بوك غلى وجه الخصوص .

 

و من عوامل الفشل  التي صاحبت  تنظيم الاضراب ايضا ، أن غالبية منظمي الاضراب و المشاركين فيه على صفحات الفيس بوك ، يعانون ما يشبه حالة التوحد  الانترنتيه ، فهم متعلقون جدا بنشاطاتهم على الموقع و غيره من وسائل الاتصال الإليكترونية ، بما أوحى لهم بانتشار الفكرة ، وسادت بينهم حالة من شبه اليقين بنجاح الفكرة و انتشارها الكاسح  و لذا لم تكن هناك اي محاولات جادة لنشر الدعوة خارج نطاق الموقع ، و هو ما كان مخالفا للواقع بصورة كبيرة ،

 

أيضا من عوامل الفشل الشعبي الكبير لفكرة الاضراب ، هو تضارب الأساليب المقترحة للاضراب من مكزث في المنازل ، لوقف عمليات البع و الشراء ، للتجمع و التظاهر ، بما اصاب القلة التي حاولت المشاركة بالحيرة .

من العوامل المهمة الاخرى للفشل ، عدم وضوح السبب ، أو الهدف ، أو المطالب التي ينادي بها الإضراب ،

 

و ينبغي الاعتراف أن اغلب من  مكثوا في بيوتهم أو البعض الذي منع أبناءه من الذهاب للمدارس يوم الأحد ( معظم المدارس فعليا خالية من التلاميذ منذ اكثر من شهر )  لم يكن بهدف المشاركة في الاضراب ، و لكن لحالة الخوف التي أصابت الناس من جراء التصريحات المستفزة لوزارة الداخلية  ،و اعتقد هنا ان أكبر داعية للإضراب و أكبر من أكد للناس أن هناك إضرابا ، و أن الدعوة اليه جادة و ليست مجرد اشاعة على الانترنت ، كانت وزارة الداخلية ،  و اظن أن على منظمي الإضراب توجيه خطاب شكر للوزارة بهذا الشأن

لليوم الثاني تشتعل مدينة المحلة الكبرى في مواجهات  طاحنة بين جموع الثائرين على الأوضاع المعيشية في مصر و قوات الامن  التي تلقت أوامر صارمة بغطلاق اليد والتصدي العنيف للمتظاهرين ،  شلل في الحياة ،  و قطع للتيار الكهربي ، و تصاعد للمواجهة  بعد سويعات من الهدوء و الترقب صباح اليوم الثاتي للمظاهرات

 

من الناحية الأخرى تيدو الصورة مخالفة تماما في القاهرة الكبرى حاضرة مصر ، فاليوم كما في الأمس هدوء تام ، لا توجد اية مظاهر لأي حركة غير عادية ، سوى بعض التواجد المبالغ فيه لقوات الشرطة  و انتشار لضباط من الرتب العالية في مواقع  لم يتعودوا الظهور بها ، و التجمع المستفزلعربات الأمن المركزي في بعض النقط الرئيسية  في القاهرة .

بالأمس ، خرجت إلى  في الصباح ،   في حالة من التوجس و الترقب لما سيحدث  في هذا اليوم ، لا أدري هل سيخرج الناس للتظاهر السلمي و الاعتصام في بعض الميادين العامة ،  أم سينفذ الناس الطريقة الأخرى للتعبير عن الرفض المدني لحكومة نظيف و غيرها من حكومات مبارك ، بالمكوث في المنازل و عدم الذهاب للأعمال أو المدارس و الجامعات ، و الامتناع عن البيع و الشراء في هذا اليوم .

اأنا شخصيا كنت قد قمت بشراء احتياجاتي من الخبز و اللبن و باقي مستلزمات البيت الضرورية من مساء السبت كنوع من المشاركة  في الحدث ،  على نية الانقطاع عن الشراء في اليوم المخصص للتظاهر ،  و من جهة أخرى تحسبا لغلق عدد كبير من المحلات في هذا اليوم .

و لكني فوجئت  صباح الأحد بحركة عادية تماما في الشارع ، و كأنه لا علم لأحد بأن اليوم هو يوم المظاهرة ،  نعم حركة المرور في الشوارع  تبدو لي أقل من المعتاد نسبيا  ، السيارة تأخذ طريقها في شارع جسر السويس متجهة جنوبا  في اتجاه ميدان روكسي ثم شارع الخليفة المأمون في اتجاه العباسية في سلاسة  لم أتعود عليها ، سألت لمذا المرور اليوم في صورة حسنة ، كان الرد من أحد سائقي التاكسيات  ” اليوم الأحد و المحلات مغلقة ” ، و رد الآخر ” الجو شكلة وحش و عفرة و الناس قاعدة في بيوتها ” .   أما  أي كلمة تشير لوجود تظاهر أو اعتصام ، فلم ترد على لسان أحد

 

أين المظاهرة ، اتصلت بالعديد من الأصدقاء المنتشرين في أحياء القاهرة و الجيزة المختلفة و في مدينة العبور ،   ” شوفتو المظاهرة ؟”   الإجابة كانت من الجميع  بين  ” لا “  أو ” مظاهرة ايه ؟؟ !! ” ،  قلت لنفسي  : امال ايه اللي  كان بيحصل على الفيس بوك ده ؟ ” و  ما هذا الذعر الرسمي الذي سبق يوم الأحد  ؟

أيام الخميس و الجمعة و السبت ، شهدت القاهرة  سيلا من التصريحات  التي دلت على ذعر و خضة حكومية لم يسبق لها مثيل  ، تراوحت هذه التصريحات بين حقن و أقراص  المخدرات التي نسبت لمبارك من أمثال  : حل مشكلة رغيف العيش ، و انتهاء ظاهرة الطوابير ،  إلغاء  الرسوم الجمركية على السلع الغذائية ، انخفاض اسعار المواد الغذائية ، رفع العلاوة الاجتماعية  من 15 % إلى 20  و 25 %   ، ثم  جاء يوم السبت لتخرج وزارة الداخلية علينا  بغبائها المعهود و عنجهيتها المتناهية بسيل من  البيانات شبه العسكرية ، بالتهديد و الوعيد ، و التلويح بيدها الحديدية التي ستطال كل من تسول له نفسه في المشاركة في التظاهر

و صاحب  سياسة  التخدير الحكومي بالتصريحات الوردية المنسوبة دائما لراعي الامة و المنقذ الوحيد للشعب في ساعات الضيق ، و سواعق التحذير الصادرة من وزارة الخارجية ،  ارسال خطابات تهديد رسمية للعاملين في الدولة من الغياب في ذلك اليوم ، والا سيحتسب اليوم بثلاثة أيام ، و تحويل للتحقيق ،

بنهاية نهار يوم  الأحد بدأت الحقائق في التكشف :

الإضراب في القاهرة لم يزد على أن يكون حركة محدودة جدا لم يلحظها أحد ، و حتى في نطاق من توقعوه  و انتظروه ، و عقدوا عليه آملا ، كانت النتيجة أكثر من مخيبة لآمالهم

الإضراب في القاهرة اختلف تماما عما حدث في مدينة المحلة ، حيث التخبط في الاعداد و عدم وجود هدف واضح ،  أو قيادة واضحة يمكن الرجوع اليها في مسائل التنظيم و الاعداد

 

حتى الحظات الأخيرة لم يعرف الراغبون في المشاركة ، ما هو المطلوب منهم ، هل البقاء في البيوت ،و الامتناع عن الحياة العامة ، أم الذهاب في مظاهرات سلمية و التجمع  في الميادين العامة ، لم تحد مواعيد للتلاقي ، أو توضح اي ترتيبات عملية للتنظيم

انحصرت الدعوة للمظاهرة في أغلبها في موقع الفيس بوك ، و لم يحاول اصحاب الفكرة الأساسية أن يخرجوا بها من محدودية هذا الموقع الى رحابة الحياة الوقعية ، حيث لم يبدأ الشارع في التعرف بنية عمل المضاهرات أو الاعتصام إلا قبل الأحد بثلاثة أو أربعة ايام ،

 

أغلب من سمع بتنظيم الاعتصام ساورته الشكوك تجاهه ، نتيجة التعتيم الإعلامي الكبير حوله ، و انحصار الدعوة  في أغلبها في نطاق موقع الفيس بوك و بعض المدونات الاقل انتشارا ، حيث يغلب الانطباع  حول الفيس بوك و نشاطاته على أنه موقع للشباب ” الروش “  ، او موقع لتبادل الصور و النكات  بين المراهقين ، أو موقع لتجمع أصحاب الأفكار الغريبة الشاذة الذين لا يستطيعون المجاهرة بها في الحياة العادية فينزوون على انفسهم  في مجموعات الفيس بوك لتبادل هذه الأفكار  ، أي  صورة أكثر واقعية  من موقع  

Second life  

 

لذا تم التعامل مع  فكرة الاعتصام بين أغلب من وصلتهم الدعوات اليه خلال  البريد الاليكتروني أو من خلال الفيس بوك بكثير من الريبة أو التجاهل ، و نلاحظ أنه حتى من داخل موقع الفيس بوك  ، فمن ضمن المليون مصري تقريبا المشتركين بهذا الموقع ، لم يشترك في المجموعات أو الاحداث المرتبطة باضراب 6 إبريل سوى ما يقارب 10 % من المشتركين في الموقع من المصريين ، و هي نسبة ضئيلة جدا ، مع ملاحظة أن المشارك الواحد تتعدد مشاركاته في الكثير من المجموعات و الاحداث .

 

خارج الفيس بوك ، كانت الأشارات  في وسائل الاعلام  عن الاضراب محدودة للغاية ، و لم يكن اي اثر تقريبا

 

الانتشار المحدود جدا للفكرة على المستوى الجماهيري  ، صاحبه ذعر حكومي  واضح ، و تخبط و عدم قدرة على تبين كيفية المواجهة ، و أكبر دليل على الذعر ، هو رفع حالة الطوارئ في البلد الى الحالة   طوارئ  ج  ، و هو دليل واضح على هشاشة النظام ، و عدم استقراره ، و سهولة زعزعته ، و امكان حدوث إزالته بأي نشاط جماهيري منظم

 

من العناصر التي ميزت اضراب 6 ابريل ، أنه أول نشاط شعبى من نوعه يتم تنظيمه بعيدا عن أية توجيهات عليا ، و لم تشارك فيه اية جهات سياسية معارضة مثل الاحزاب أو حتى جماعة الاخوان المسلمين  ، و لهذا ( في القاهرة ) كان واضحا أن  المظاهرة ليس لها كبير  ، أو منظم أو مرجع يمكن الرجوع له

 

الملاحظة الأخرى على المظاهرة ،  أن المظاهرة لم تحدد هدفا لها أو مطالب ، فالناس لم تعرف لماذا هم يتظاهرون ،  البعض يقول انها ضد الغلاء ، و البعض يقول أنها تطالب بإقالة حكومة نظيف ، و البعض يقول نطالب بإقالة حكومة نظيف عدا وزيري  الدفاع و الخارجية ( موش عارف اشمعنى ؟ )  ، و السؤال هو : هل المشكلة في أحمد نظيف و حكومته ؟ أو هل فعلا الغلاء  استحكم لدرجة خروج ثورة للجياع  ، حاملي أجهزة المحمول ذات الكاميرات 2 ميجا بيكسل ؟؟

أعتقد في توصيفي الشخصي أن المظاهرة لا تستحق أن توصف بالزوبعة في فنجان ،  فتأثيرها كان أقل محدودية من أن توصف  بهذا في نطاق مدينة القاهرة ، فحتى  حلول ليل القاهرة و بدأ  ورود الأخبار من المحلة ،  لم تكن مظاهرات القاهرة سو ى فقاعة هواء  في فضاء الفيس بوك ، و لم تنجح في شق طريقها غلى عالم الواقع في القاهرة الكبرى

 

كل ما قرأته من أنباء في مجموعات الفيس بوك أو في عدد جريدة البديل  ، عن نجاح المظاهرات في القاهرة هو محض افتراء ، و  عودة  لأسلوب  جريدة الشعب   عندما كانت تتحدث عن الانتصارات الرهيبة التي يحققها  صدام حسين و جيش النشامى  على الجيش الأمريكي  في حرب الخليج  

ما قيل عن توقف حركة الشراء ، توقف التلاميذ عن الذهاب للمدارس غير صحيح ، التلاميذ لا يذهبون فعلا للدارس منذ اكثر من شهر  و يعتمدون على الدروس الخصوصية ، و لا علاقة لذلك بالإضراب

البعض فعلا آثر البقاء في المنازل ، ليس بغرض المشاركة في المظاهرة ، و لكن خوفا من احتمالات العنف  أو خوفا من تصرفات رجال الأمن الهمجية ،

 

الدروس المستفاد من هذه التجربة  :

لعمل حركة شعبية  ، ينبغي أن تكون هناك قيادة أو قيادات واضحة و رموز شعبية ، أو شخصيات ذات وهج تستطيع الهام و تأجيج و تحميس الجماهير و  دفعهم للمشاركة

يجب أن تكون هناك أهداف واضحة ، أو اجابة للسؤال : لماذا نتظاهر ؟

يجب أن يكون أسلوب التظاهر أو الاعتصام محدد و ليس مجموعة من الخيارات المتعارضة

يجب أن تكون الدعوة واقعية و تصل للناس باسلوب مقنع ، بعيدا  عن الأساليب التي تنطبع صورتها في أذهان الناس على أنها وسائل للترفيه و الهروب الخاص بنوعية من الناس اغلبها غير سوي و لا يعيش الواقع

الحرية دائما ثمنها الدم ، لا أعرف شعبا حقق حريته في شرق الأرض أو غربها دون تضحية  ، و مقابلة الظالم وجها لوجه ، و الدعوة  لإسقاطه جهارا ، و ليس على صفحات العالم الثاني و الفيس بوك

يجب أن تكون هناك جهات داعمة منظمة و ذات خبرة في العمل الجماهيري و فنون الاتصال لنشر الدعوة و تنظيم الاحداث

العمل لانجاح المظاهرة يستلزم نفقات و تبرعات و امكانيات مادية  للاتصال و التنظيم

النظام  الحاكم المصري   نظام قلق ، هش ، مهزوز ، مرعوب ، متخبط  ، فاضلله زلطة و يطلع برة

( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ  وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ  وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال –الآيات   60 – 62 نعم الله سبحانه و تعالى يأمرنا بإرهاب أعداءه و أعدائنا ، من يستطيع أن ينكر ذلك ؟ نرهبهم  هم و من دونهم  حتى يجنحوا للسلم  ، كلمة ” إرهاب ” فجأة بعد أحداث 11/9 أصبحت من أشهر الكلمات و أكثرها استخداما ، و صار الجميع يتشدق بها ، و يسارع بالتبرأ منها كأنها سبة في الجبين و عار لا يمحىعندما تستخدم كلمة إرهاب يقصد بها ، استخدام القوة و العنف و أساليب القتال ضد الأبرياء المسالمين غير المحاربين لنشر جو من الرعب و الخوف و عدم الاستقرار لتحقيق أهداف سياسية  ، أو لتمكين لأفكار ومعتقدات خاصة بهمو بالطبع هذا المعنى لا علاقة له بالأمر الإلهي في سورة الانفال بإرهاب الأعداء و من يقف خلفهم ، فالقارئ لسياق النص يجد الله سبحانه و تعالى يتحدث عن حالة من خيانة الاعداء لمعاهداتهم ، و رغبتهم المحمومة في العدوان على المسلمين ، و هو حال لكل أعداء المسلمين بدءا من كفار مكة إلى أصحاب أنابوليس ، في هذه الحالة يجيئ الأمر الإلهي بالاستعداد بكل ما في الاستطاعة من وسائل القوة و السلاح لإرهاب هؤلاء الأعداء  سواء الظاهر منهم أو من يتخفى خلفهم ، و يطمئن ضعف نفوسنا بأن الانفاق على ذلك سيكون مرده إلينا ،  و يصرح سبحانه و تعالى  بعدها مباشرة بالهدف الحقيقي و الثمرة المباشرة لهذا الإرهاب ، و هو جنوحهم للسلم ، و في هذه الحالة يأمرنا ربنا  باختيار السلام فورا  و التوكل على الله .ما العلاقة بين الإرهاب في آية الانفال و إرهاب بوش و رفاقه ؟  العلاقة منفكة …مادة ( ر هـ ب ) في اللغة العربية ، لا علاقة لها  بكلمة       في الإنجليزية ،  إذا فتحنا أي معجم سنجد أن مادة ” رهب ” تشمل كلمات  مثل  رهب ، أرهب  ، رهبة ، ترهيب ، ترهّب ، راهب ، رهبانية ، رهاب ، رهبنة ، رهبان ، رهابة  ، و كلها تدور حول معنى مزيج من الخشية و الحذر و الخوف الناتج عن الاحترام و التبجيل و التقدير العقلاني للعواقب ممن نرهب جانبه، و هو بعيد كل البعد عن معنى  الرعب و الفزع المصاحب لأعمال العنف و القتل و التدمير ، فلا أحد يقول  واصفا إحساسة بعد انفجار قنبلة بجواره ، لقد ملأت نفسي بالرهبة ،  إنما  ملأت رعبا و خوفا و اضطرابا .فالتعبير السليم لاستخدام القوة و العنف بصورة غير أخلاقية  ليس له علاقة بالإرهاب ، و أفضل  تعبير يمكن أن يكون هو  ” ترويع “  لما تحمله من معنى الفزع و الخوف الشديد

لذلك فلنقل جميعا  لا لترويع الآمنين المسالمين  ، و أهلا بإرهاب أعداء الله أعداء الدين

Posted by: egytarek | 9 September, 2007

صحة الرئيس و الاستعباط الرسمي

صحة الرئيس و حالته الذهنية  موضوع أساسي  يهم كل مواطني أي دولة ، و لم يحدث في أي دولة محترمة أن اعتبرت الخوض فيه مسألة محرمة ، أو خطا أحمرا لا يجوز الخوض فيه .طبعا مصر حالة خاصة و لا ينطبق عليها ما يجري في دول العالم المتحضر المحترم ، فبعد استدعاء ابراهيم عيسى للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة ، سارع أبواق النظام في كل وسائل الإعلام المقرؤءة و المسموعة بالتنديد بفعلته الشنعاء و التى سماها بعضهم ترويجا لإشاعات مغرضة أو تشنيعا بشخص رئيس الدولة ، و نتوقع أن نجد مع الإيام بعض المزايدين الذين يطالبون بإعدامه بتهمة الخيانة العظمي .

هنا لا نستحسن ما فعله مروجوا الإشاعة ، و لا نوافق على ترديد الأكاذيب أو الأخبار غير الموثقة ، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور حساسة تؤثر على استقرار البلد ، و لكن باستقراء الحادثة و خلفياتها يتأكد لنا أن السبب الرئيسي لسريان و انتشار هذه الشائعة السخيفة  و الذي يستحق المحاكمة و التجريم هو الدولة نفسها و ليس إبراهيم عيسى .

فالشرارة الأولى التى يرجع المحللون سبب الشائعة إليها و هي حديث السفير الامريكي  لبعض المسؤلين المصريين عن لقائه بالرئيس المصري و اعتلال صحته ، و سؤاله عن الخطة فيما بعد حسني مبارك ، لا أرى فيها أي شيئ عجيب أو تدخلا في شئون خاصة ، فهذا طبيعي أن ينتاب صحة الرئيس اعتلالات و هو في هذه السن المتقدمة ، أم سيخرج علينا بعض المزايدون و ينفون احتمال وفاة الرئيس في أي لحظة  لأن الحديث عن ذلك يهدد سلامة الوطن ، ففي كل الدول المتقدمة ، و منها أمريكا نفسها تفترض سيناريوهات تفترض وفات الرئيس و اغتياله و كيفة التصرف و إدارة شئون البلاد في هذه الحالات ، و يتعامل الجميع مع هذه السيناريوهات في جدية تامة ، دون أن يخرج أحد و يدعي أن التفكير بهذه الصورة يجلب النحس أو نذير الشؤم ( كما صرح ذلك الاستاذ بجامعة القاهرة في برنامج حالة حوار ) ، وإذا لم تكن تجرى مثل هذه الدراسات في مصر و خاصة مع التقدم الكبير لعمر الرئيس ، فلا يمكن أن نطلق على ذلك إلا أنه نوع من الاستهبال الرسمي

.أما النقطة التي لا يفتأ أبواق النظام عن ترديدها ، و التي ساهمت بشدة في ترويج الإشاعة ، و هي إختفاء الرئيس لمدة طويلة قاربت الاسبوعين ، دون أي مشاركة في أي حدث رسمي داخلي أو خارجي ، فقد سارع هؤلاء بإفشاء المعلومة الخطيرة ذات السرية العالية ، و هي أن الرئيس كان في إجازته السنوية ، و أن متعود على أخذها في هذا الوقت من العام ، و هو كلام أقرب للتهريج منه للجد ، و لا يسمح به في أي مكان سوى في المحروسة ذات السبعة آلاف عام من الحضارة .أليس الرئيس موظفا عاما يعمل لدى هذا الشعب المسكين ، أليس من حقنا أن يعلن رسميا عن إجازات الرئيس ، متى و أين سيقضيها ، و من أين سينفق خلالها ، أليس هذا ما يحدث في كل دول العالم ، هل يدري أحد كم يوما أخذه الرئيس إجازة هذا العام ؟  و من أين ينفق خلالها ؟ هل تكون إقاماته في فنادق شرم الشيخ من مرتبه أم من نقودنا ؟ إذا كان ذلك معلنا بوضوح و شفافية قبل قيام سيادته بإجازته السنوية هل كان هناك أي مجال للإشاعة ؟ أعتقد أن الإجاية و اضحة و سهلة فمن يستحق المحاكمة في هذه الحادثة السخيفة يجلس في مقعد القاضي، و يدعي و جود مؤامرة داخلية بمساعدة أمريكية ، في حين أن الجرم الحقيقي  هو في التعتيم و التهويل و الاستعباط الرسمي 

أكثر ما أعجبني في ما قاله استاذ جامعة القاهرة إياه في حلقة برنامج ” حالة حوار ” أن من مساوئ تلك الإشاعة أنها أشاعت جوا من الحزن و الأسى في جموع الشعب المصري على رئيسهم المحبوب الذي تربطهم به ، على حد قوله ، مشاعر حب قوية . هئ هئ هئ  ها    …..  لا يا شيخ . مش عارف اقول إيه … بس ضحكتني …

كنت أتمنى أن يربأ الشيخ طنطاوي بنفسه و بالأزهر الشريف عن الخوض في هذه المهاترات السياسية ، صحيح كلنا نرفض الإشاعات و لا نرضى بها ، و لكن يا مولانا أليست هناك إشاعات أكبر و أضخم  مثل إشاعات النمو الاقتصادي،و انخفاض معدل التضخم ،و خلو مياه الشرب من الملوثات ،و التنمية الشاملة ،و الانتخابات الحرة النزيهة ، و أختهم الكبيرة  : أننا نعيش أزهى عصور الديموقراطية ،،،   تيجي إيه جنبهم إشاعة إن الريس عيان ؟  واللا إيه رأي فضيلتكم ؟؟

Older Posts »

Categories